هذا هو الإسلام
كلمات واضحات عن تعدد الزوجات[3]
بقلم : فضيلة الإمام الأكبر
د. محمد سيد طنطاوي
شيخ الأزهر الشريف
حديثي عن تعدد الزوجات بالنسبة للأمة الإسلامية بصفة عامة يتضمن الحقائق التالية:
أولا: أن تعدد الزوجات كان موجودا في عهود الأنبياء السابقين وفي شرائعهم..
ومن الأدلة علي ذلك أن سيدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ كان متزوجا بالسيدة سارة ثم تزوج في حياتها وهي في عصمته بالسيدة هاجر وأنجب منها سيدنا إسماعيل ـ عليه السلام ـ ثم رزقه الله ـ تعالي ـ بعد ذلك بسيدنا اسحاق من زوجته سارة..
وسيدنا يعقوب ابن اسحاق بن ابراهيم ـ عليهم السلام ـ كان متزوجا بأربع من النساء هن:
ليثه وأنجب منها ستة أولاد هم: رأوبين, وشمعون, ولاوي, ويهوذا, ويساكر, وزبولون.
و راحيل وأنجب منها اثنين هما: يوسف وبنيامين.
وزلفا وأنجب منها اثنين هما: جاد, وأشير.
وبلها وأنجب منها اثنين هما: دان, ونفتالي.
ثانيا: عندما أرسل الله ـ تعالي ـ رسوله محمدا ـ صلي الله عليه وسلم ـ بالهدي ودين الحق, كان تعدد الزوجات منتشرا بين العرب وغيرهم من القبائل والأمم الأخري, بطريقة لاضابط لها ولانظام..
فكان منهم من يتزوج بعشر من النساء أو بأكثر من ذلك أو بأقل, كل واحد علي حسب هواه ومآربه.. وقد جاءت شريعة الاسلام بما يصلح هذه الفوضي التي تتعلق بتعدد الزوجات, وبما يضبط اضطرابها, وينظم حدودها, وسلكت شريعة الاسلام في ذلك مسلكا حكيما, فهي لم تحرم مسألة التعدد تحريما مطلقا, ولم تبقها بقاء مطلقا دون قيد أو شرط, وانما وضعت لتعدد الزوجات قيودا وشروطا وآدابا وضوابط.. يؤدي اتباعها إلي تحقيق سعادة الأسرة..
ثالثا: من الآيات القرانية التي قيدت هذا التعدد, ووضعت له الشروط والضوابط والآداب, قوله ـ تعالي ـ[ وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامي فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع, فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم, ذلك أدني ألا تعولوا],[ سورة النساء: الآية3] والمقصود بالخوف هنا: العلم أو الظن الراجح. وجواب الشرط في قوله ـ سبحانه ـ وإن خفتم قوله ـ تعالي: فانكحوا
وقوله ـ تعالي ـ تقسطوا من الإقساط بمعني العدل. يقال: أقسط فلان إذا عدل في حكمه ولفظ اليتامي: جمع يتيم, وهو الإنسان الصغير الذي مات أبوه, مأخوذ من اليتم بمعني الانفراد, ومنه الدرة اليتيمة أي: التي انفردت في جمالها وقيمتها عن غيرها.
والمقصود باليتامي هنا: يتامي النساء اللائي مات عنهن آباؤهن, وتولي تربيتهن إدارة أموالهن بعض الأقارب, فإذا ما بلغن سن الزواج تزوجهن بعض هؤلاء الأقارب الأوصياء عليهن, دون أن يدفعوا لهن المهر أو الصداق الذي يجب أن يدفع لأمثالهن ممن هن في رعاية آبائهن.
جاء في الحديث الصحيح أن عروة بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ سأل خالته السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن هذه الآية فقالت له: يابن أختي, هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في ماله, فيعجبه مالها وجمالها, فيريد ـ عندما تبلغ سن الزواج ـ أن يتزوجها, من غير أن يقسط ـ أي: يعدل ـ في دفع صداقها, وفي اعطائها من الصداق مايعطي غيرها..
قالت السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ فنهوا عن ذلك... ونزلت هذه الآية الكريمة.
وعلي هذا التفسير الذي أشارت اليه السيدة عائشة للآية يكون معناها: وإن غلب علي ظنكم ـ أيها الأولياء أو الأوصياء ـ علي يتامي النساء, أنكم إذا تزوجتموهن لن تعطوهن حقوقهن من المهر وغيره.. فاتركوت الزواج بهن لغيركم ممن يعطيهن حقوقهن, وتزوجوا من تحبون من غيرهن.. وقد وسع الله ـ تعالي ـ عليكم في أحكامه بأن أباح لكم أن تتزوجوا باثنتين أو بثلاث أو بأربع دون زيادة علي الأربعة..
فإن غلب علي ظنكم أنكم لن تعدلوا بين الزوجات إن تزوجتم بأكثر من واحدة, فاكتفوا بالزواج بواحدة, أو بما عندكم من الإماء, فإن الاكتفاء بالواحدة أقرب إلي الابتعاد عن الجور والاعتداء وقوله ـ سبحانه ـ ذلك أدني ألا تعدلوا: جملة مستأنفه بمنزلة التعليل لما قبلها. واسم الإشارة ذلك يعود إلي الاكتفاء بالزوجة الواحدة عند غلبة الظن بأنه لو تزوج بأكثر من واحدة لن يستطيع العدل بينهما أو بينهن لا في النفقة ولا في غيرها من الحقوق الزوجية.
وقوله سبحانه ـ تعولوا مأخوذ من العول بمعني الميل الي الظلم والجور..
أي: ذلك الذي ذكرناه لكم ـ أيها المؤمنون ـ من الاكتفاء بالزوجة الواحدة عند عدم العدل لو تزوجتم بأكثر من واحدة, أقرب إلي العدل وإلي راحة البال, وهدوء الحال.
وقد حكي الإمام الزمخشري عن الإمام الشافعي ـ رحمهما الله ـ أنه فسر قوله ـ تعالي ـ إن ذلك أدني ألا تعولوا بألاتكثر عيالكم, فقال: والذي يحكي عن الشافعي ـ رحمة الله ـ أنه فسر أن لاتعولوا بأن لاتكثر عيالكم ووجهه أن يجعل من قولك: عال الرجل عياله يعولهم, كقولهم: مانهم يمونهم إذا أنفق عليهم, لأن من كثر عياله لزمه أن يعولهم, وفي ذلك مايصعب عليه المحافظة علي حدود الكسب, وحدود الورع, والكسب الحلال, والرزق الطيب ثم قال الإمام الزمخشري ـ رحمه الله: وكلام مثله ـ أي: الامام الشافعي ـ من أعلام العلم, وأئمة الشرع, ورءوس المجتهدين, جدير بالحمل علي الصحة والسداد.