أقامت لجنة الزواج الخيري في جمعية تاروت الخيرية وعلى مدى اسبوع دورة همسات الخامسة بمشاركة لفيف من المتخصصين الاجتماعيين وأهل الشأن وقد كان للمحاضرات والنقاشات التي دارت حولها اثر لا ينكر في تعزيز فهم افضل للعلاقة الزوجية وضرورة المحافظة عليها وما لذلك من دور في استقرار المجتمع ورفاهيته.
كل هذه الفعاليات وسواها من وسائل التثقيف والتدريب الاسري له دور مهم وفعال (وقائي في أحسن الاحوال). غير ان التحولات الاجتماعية المتلاحقة وبوتيرة سريعة تستوجب القفز بسرعة الى مرحلة جديدة لاحتواء الازمة التي ظهرت نذرها في تصدع البناء الاسري من خلال ازدياد متصاعد في حالات الطلاق وازدياد متصاعد في حالات العنف الذي تتعرض له المرأة والطفل في الاسرة.
ان مجتمعنا وعلى مدى جيلين او ثلاثة وبفعل التحولات الاجتماعية قام بهدم كثير من المرجعيات والاطر السائدة والتي كانت داعمة لمؤسسة الاسرة واستقرارها.
الاطار الاول الذي انتهى او يكاد هو مرجعية الاسرة في الخلاف الزوجي، ففي الماضي كان للأسرة دالة -او ميانة بالعامية- على ابناءهم الشباب ان وقعوا في مشكلة زوجية. كانت الاسرة بحكم الترابط القوي تعلم بالمشكلة واسبابها، ولا يجد العريس الحدث غضاضة في استشارة كبير الاسرة ابا كان او عما او خالا في امر زوجي وكان في نفس الوقت على استعداد لسماع نصائح هذا المستشار وتنفيذها. كان يدرك بعقله او بحكم العادة الاجتماعية ان هذا الناصح لديه من الخبرة ما يضمن له رأيا صائبا وخلاصا من مشكلته. وعلى هذا فقس جانب النساء.
هذا العمود الذي كان يفزع اليه الزوجان اطيح به فلا الزوج الشاب ولا الزوجة الشابة -في الاغلب- على استعداد لمفاتحة اهله في امره او استماع توجيهاتهم وليسوا هم من القرب والمعرفة بأمره ما يجعلهم في وضع يؤهلهم لتقديم النصح.
كان الاطار الاخر الذي يوفره المجتمع سابقا يتمثل في شيخ القرية او عميد الاسرة او وجيه البلدة الشخصية الذي يكن له الجميع الاحترام وله الدالة عليهم فان عجزت الاسرة المباشرة عن جمع الشمل ورأب الصدع فزعوا اليه وقبلوا بحكومته. هذا الاطار اطيح به ايضا وان فزع اليه فليس له من القوة المصطلح عليها ما كان له سابقا.
لقد كان لهذه الاطر السائدة مع بساطتها اثرا داعما ومساندة للاسرة الصغيرة، ولكن لا يبدو اننا نستطيع ان نعيد عقارب الساعة الى الوراء لاحياء ما مات. اذا ما هي البدائل الذي قدمها المجتمع لهؤلاء الفتية والفتيات الاغرار الذين لم تصقل التجربة بعد سلوكهم وليسوا من الحكمة بحيث يحلوا مشاكلهم؟ التلفاز؟ الانترنت (الشيخ جوجل)؟ الندوات؟ قد يوفر ذلك معلومة من هنا او هناك نصيحة تضيئ جانبا او اخر لكنها بالتأكيد ليست بديلا عما اطيح به.
المجتمعات المتقدمة الاخرى والتي اطاحت بالانماط والاطر القديمة توفر اليوم للشباب -وغيرهم- ممن يواجه مشاكل زوجية واسرية اطرا جديدة تتناسب والحياة الحديثة. توفر مرجعيات جديدة تماما كما وفرت الحياة الحديثة بديلا للطب الشعبي.
ان المهتمين بالشأن الاجتماعي والاسري بالذات عليهم ان يفكروا في توفير هذه الاطر الجديدة للمجتمع. الندوة والمنشور والكتيب لا يكفي لحل مشكلة متشعبة بين زوجين مشكلة لها خلفياتها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والدينية.
وجود استشاريين متخصصين في شؤون الاسرة اصبح ضرورة لا محيص عنها. ان التحديين الكبيرين في الفترة المقبلة سيكون في احداث التحول الاجتماعي الذي يجعل الذهاب الى المستشار الاسري امرا مقبولا كما يذهب المريض الى المستشار الطبي. ان الاسرة وشؤونها من القضايا الحساسة في المجتمع ولن يكون من السهل تقبل الحديث عنها لمستشار غريب. ربما كان للدورات والندوات التمهيد لهذا التحول الاجتماعي المرغوب.
التحدي الثاني سيكون في تقنين وتحصين العمل الاستشاري الاسري. كثير ربما من يرى في نفسه الاهلية ليشير في مثل هذه الامور ولكن حتى نضمن نجاح التجربة لا بد ان يكون الممارس من ذوي الاختصاص بالاضافة الى الامانة والسمعة الحسنة المطلوبة جدا في مثل هذه الادوار.انه لمن الضروري وضع هذه الممارسة تحت طائلة القانون (على علاته).
ان ممارسة كهذه لا يمكن ان تدعها للنوايا الحسنة والسمعة الحسنة والتقوى والصلاح والمزايا الاخرى التي هي ضرورية وهامة وانما يجب ان يعرف الممارس انه مسؤول عن نصائحه واشاراته مؤتمن مسؤول عن اسرار الناس وخصوصياتهم وعليه يقع تبعة التفريط في حفظ هذه الامانة – تبعة قانونية محددة. ربما تتخذ هذه الممارسة اشكالا تطوعية ( تحت مظلة الجمعيات الخيرية) او تجارية ( عيادات اسرية) ولكنها لا بد ان تكون تحت طائلة القانون من الاعتماد الى التسجيل الى المحاسبة.
وتيرة التغيرات سريعة واثارها واضحة للمجتمع فهل يستجيب المجتمع بالسرعة الكافية لفتح نوافذ جديدة يستضئ بنورها ابناءنا وبناتنا العزيزات.